العـــزى:
أن العزى من الألهة الإناث عند العرب، وكانت موجودة قي منطقة تهامة في وادي يسمى (حرض) على الطريق المؤدي إلى العراق من مكة .وتذكر بعض الروايات التاريخية بأن عمرو بن لحي الخزاعي هو الذي أدخل عباد( العزى) إلى العرب ، وكان يقول لقومه : ( أن ربكم يتصيف باللات لبرد الطائف ويشتو بالعزى لحر تهامة)(123).
أما ابن الكلبي فقد ذكر يقول بأن الذي أوجد عبادة الصنم (العزى) هو ظالم بن أسعد من قبيلة قريش ، وهو الذي بناء عليها بيتاً وكانت تصدر منه أصوات غريبة (124).
وهناك خلاف بين الرواة العرب والمؤرخين العرب حول أسماء القبائل التي كانت تعبد (العزى)، على أنهم يجمعون أن قريش، وكنانة، وخزاعة، وجميع بني مضر كانوا يعبدونها ويتبركون بها(125)، وكانت سدنتها الذين يحرسونها هم بنو شيبان من بني سليم، حلفاء بني هاشم(126).
وحول صفات وشكل الصنم (العزى) نرى بأن هناك روايات عديدة ومختلفة. فبعض هذه الروايات ما يذكر بأن (العزى) كانت عبارة عن شجيرات في الوادي كان الناس يتقربون إليها بالنذور(127)، وهناك روايات أخرى تقول بأن صنم (العزى) كان عبارة عن حجراً أبيض ثم بني معبد عليه(128).
ونحن هنا أمام رأيين، إحداهما يقول بأن العزى شجيرات، والثاني يقول بأن(العزى) كانت حجر، ويرى المؤرخ والباحث جواد علي بأن الرأي المعقول المقبول هو أن(العزى) حجر أو صنم له بيت أو معبد ، وأمامه خزانة يضع فيها العباد المؤمنون (بالعزى) هداياهم ونذورهم لها ، كما كانوا ينحرون لها، أما الشجر أو الشجيرات فإنها أيضاً كانت مقدسة ولا بد وإنها كانت موجودة في حرم البيت، لذلك صارت محرمة لا يجوز مسها بأي سوء كان(129).
وحول ما ذكره الرواة من أنة كان في معبد (العزى) أصوات في (اللات) و(مناة) ، وكانت هذه الأصوات تكلم أو تحدث الناس، فإن جواد علي: يرى بأن مصدر هذه الأصوات قد يكون امرأة كان السادن يخفيها في موضع سري ، وهي التي تجيب عن أسئلة السائلين فينسب السادن كلامها إلى (العزى)(130) . وقد أعتمد الباحث جواد علي في بناء رأيه هذا على بعض الروايات التاريخية التي ذكرت بأن خالد بن الوليد عندما هدم معبد(العزى) بأمر من الرسول، خرجت علية من جوف المعبد امرأة حبشية عريانة وهي تصرخ ، وقتلها وأخذ ما في المعبد من حلي وهدايا(131) .
ويبدو لنا أن ما طرحة الباحث جواد علي حول هيئة وشكل(العزى) هو رأي مقبول لحد كبير ولاسيما وأن عدد من المؤرخين العرب القداماء قد أشاروا إلى أن النبي محمد عندما فتح مكة وبدأ بتحطيم الأصنام قد عهد وكلف خالد بن الوليد بقطع شجرة (العزى) وهدم البيت، وكسر الصنم أو الوثن(132).
ومن هذا يظهر بأن معبد أو بيت (العزى) كان يحتوي على صنم وأشجار وبلا شك بأن هذه الأشجار كانت موجودة في فناء المعبد. وقد كانت قبائل قريش من أكثر القبائل العربية الأخرى تعبداً واهتماماً (بالعزى)، فكانت تزورها وتهدي إليها، وتتقرب إليها بالذبائح، وذكر إبن الكلبي: بأن (العزى) كانت أعظم الأصنام عند قريش، وأن قريشاً كانت تطوف بالكعبة وتقول: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وكانوا يقولون: هن بنات الله، وهن يشفعن إليه(133).
وقد خصصت قريش منحراً وحرم أيضاً هي حرم مكة أو الكعبة ويقول ابن الكلبي ايضاً بأن الرسول عندما كان لا يزال بعد على ديانة قومه قد أهدى (للعزى) شاة عفراء(134)، كما أن خالد بن الوليد ذكر بأن والده كان يأتي إلى معبد (العزى) ومعه الإبل والأغنام فيذبحها(للعزى) ويقيم عندها ثلاثة أيام(135).
من هذا يظهر لنا أهمية الصنم (العزى) لدى العرب ومظاهر تقديسه وقد تسمى العرب وقريش بشكل خاص (بالعزى) ، فكانت بينهم أسماء مثل: (عبد العزى) كما يبدو وأن العرب قد اعتقدوا بأن هناك علاقة ما بين اللات والعزى وربما تصوروها بأنها أم ولها ابنتان هما اللات ومناة وهذه الصلات ما بين اللات والعزى نجدها في القرآن الذي ذكر العزى بعد اللات وكذلك ترد العزى بعد اللات في جميع الروايات التاريخية مما يشير إلى وجود صلة بين اللات والعزى، ولا يستبعد أن تكون هذه الصلة بين الصنمين قد جاءت إلى بلاد الحجاز من بلاد الشام من أهل تدمر وبادية الشام والصفويين، إذ وردا وكأنهما إلهان متقابلان(136).
وهذا ما دفع بعض المستشرقين إلى القول بأن اللات والعزى أنهما يمثلان كوكبين: كوكب الصباح وكوكب المساء(137) . ويذكر بعض الباحثين بأنة كان (للعزى) عند عرب الجاهلية علاقة بالزواج فكانت الفتاة إذا طلبت الزواج نشرت جانباً من شعرها، وكحلت إحدى عينيها، وحجرت على إحدى رجليها ليلاً، وقالت عبارة معناها أنها تدعو أن تتزوج (مثل الصباح) (138) . أي قبل أن يطلع كوكب الصباح وهو العزى.
و(العزى) مثل (اللات) و(مناة) من الآلهة المعبودة عند عرب العراق وعرب بلاد الشام وعند الأنباط والصفويين. وقد ورد إسم (العزى) مرتين في المصادر المؤلفة بعد الميلاد، فقد أشار إسحاق الإنطاكي وهو من مؤرخي القرن الخامس الميلادي على إسم(العزى) في حديثة عن مدينة(بيت حور(Beth – Hur وسماها بـ(Beltis) أي (كولبتا) المذكورة في المصادر السريانية وهي أنثى كوكب، وتعني الكوكب الذي يظهر عند الصباح وهو العزى عند الجاهلين العرب(139).
وكانت عند الأنباط هي (الزهرة(Venus- (140) . وذكر بعض المؤرخين على أنها( إفروديت) أو أنها (ملكة السماء) المذكورة في سفر أرميا (141).
وقد كانت عبادة (العزى) شائعة بين عرب جنوب الجزيرة العربية أيضاً فقد جاء في نقش عربي جنوبي إسم امرأة( أمة العزى) و(أمت عزي)، كما أن أحد العرب الجنوبيين قدم تمثالاً من ذهب إلى هذه الإلهة(142).
وتذكر المصادر التاريخية أن(العزى) كانت تعبد في الحيرة وكان ملوك الحيرة يقدمون لها البشر قرابين في بعض الأحيان. وأن المنذر ملك الحيرة في النصف الأول من القرن السادس الميلادي كان يقدم إلى(العزى) الأسرى كقرابين كما أن المنذر ضحى بأربعمائة راهبة(للعزى)(143) . وذكر إسحاق الإنطاكي، أن العرب كانوا يقدمون الأولاد والبنات قرابين للكوكبة (كولبتا) فينحرونهم لها ويقصد بـ(كوكبنا، العزى)(144).
ومهما كانت الأخبار والروايات حول (العزى) متناقضة أو مختلفة فأن هذه الالهة، شكلت مع اللات ومناة ، ثلاثي آلهي ورد ذكره في القران الكريم (145) . وكان له أهمية كبيرة في عبادات العرب قبل الإسلام ، وقد استمرت عبادة (العزى) عند العرب حتى ظهور الإسلام وتهديم معابدها . وقد رافق تهديم هذا المعبد الكثير من الروايات الأسطورية التي تدلل على مكانة (العزى) الدينية لدى عبدة الأصنام من العرب (146).
==========
ذو الشـــري :
تذكر المصادر التاريخية بأنة كان للعرب ألهة سميت بأسماء أماكن معينة أهمها اثنان : ذو الشري وذو الخلصة. ولا ندري تماماً إلى أي مكان انتسب الاله (ذو الشري) ، فالمواضع التي كان لها( الشري) أسماء كثيرة من بينها ما ذكره المؤرخ ياقوت الحموي في معجم البلدان قائلاً : (والشري موضع عند مكة شعر مليح الهذلي...) (194) .
وهناك من يقول أن إسم (ذو الشري) موضع عند مكة في السراة (195). وجبال السراة هي السلسلة الجبلية التي تمتد على البحر الأحمر في الحجاز ولم تذكر المصادر التاريخية أو الروايات التاريخية أية تفاصيل عن الاله (ذو الشري) وعن صفاته وخصائصه، أما ابن الكلبي ذكر قائلاً: بأن ذو الشري الها كان لبني الحارث بن يشكر بن حبشر من الأسد) (196).
ويظهر أن المواضع التي حملت إسم ذو الشري كانت على العموم خصبة وأشبه بالواحات ومثل هذه المواضع الخصبة في بلاد العرب الجدباء لا يستبعد أن يصبح مركز عباده ، وقد ورد اسمه في الحديث النبوي وكذلك ورد بين أسماء العرب الجاهلي مثل " عبد ذي الشري (197) . وفي الكتابات النبطية ورد اسم " ذي الشري " مع اسم الآلهة " هبل " و" مناه" مما يدل على أنه من الآلهة المعروفة عند العرب (198).
وقد ذكر بعض الباحثين بأن الأنباط كانوا يعبدون الشمس عبادة خاصة ، وكان لهم في عاصمتهم "بتراء- Petra" معبد كبير لا كرامها وكانوا يدعونها باسم أخر وهو ذو الشري أي الإله "المنير" .. (199) .
وقد كان ا" ذي الشري " يعبد لدى الأنباط وهو على شكل حجر أسود خام ذي أربعة أضلاع ، يبلغ طوله أربعة أقدام وعرضه قدمين . وكان دماء ضحاياه تصب عليه أو أمامه وكانت تحته قاعدة ذهبية ، كما كان يتألف معبده كله بالذهب وبالهبات التي كانت تنذر له (200) .
===============
ذو الخلصـــة :
تشير المصادر التاريخية إلى أن الالهة " ذو الخلصة " كان ذا مكانة رفيعة تفوق مكانة(ذو الشري) في أوساط العرب الجاهلين ولربما كانت هناك منافسة شديدة بينه وبين أرفع بيت ديني عند العرب ألا وهو حرم مكة أو البيت الحرام .
وقد كان " ذو الخلصة " يسمى الكعبة اليمانية ، والبيت الحرام يسمى الكعبة الشامية (201) . وقد كان " ذو الخلصة " موجوداً في مدينة (تباله) ، بين مكة واليمن ، وكان سدنته من بني أمامه بن باهلة وكانت تعظمه وتقدسه قبيلة " خثعم" وبجيلة وأزد السراة وأقرباءهم من بطون العرب من هوازن (202) .
وتذكر الروايات التاريخية أن " ذو الخلصة " كان على شكل حجر بيضاء منقوشة عليها شكل تاج (203) . وأن الذي نصبت هذه الحجرة هو عمرو بن لحي الخزاعي ، وأن العرب كانوا يقدمون لذي الخلصة الهدايا مثل الشعير والحنطة ويصبون عليه اللبن ويذبحون له القرابين (204) .
وقد كان ل " ذو الخلصة " بيت أو معبد يحج إليه الناس ويقصدونه للاستقسام عنده بالأزلام ـ إلهام ـ وكانت له ثلاثة أقداح ـ سهام ـ وهي : الأمر ، والنهي ، والمتربص (205) .
وما عدى هذه الروايات التاريخية هناك بعض المعلومات التي تفيد بأن (ذو الخلصة) اسم للبيت الذي كان فيه الحجر . وقيل اسم البيت هو الخلصة . واسم الصنم\الحجر ذو الخلصة (206) . ولربما هذا الكلام كان فيه نوع من الصحة كما هو الحال مع " العزى " ومعبدها . وبكلمة أخرى قد يكون ذو الخلصة هو المعبد الذي يحتوي على الحجر الأبيض المنقوش . والذي هو الصنم نفسه ، ويرى المؤرخ جواد علي : بأن العرب من عبدة " ذو الخلصة " كانوا يطوفون حول كعبة أو بيت هذا الاله وكان في داخل هذا البيت صنم\حجر يدعى الخلصة (207) .
ويبدوا أن طواف العرب حول " ذو الخلصة " يشبه ذلك الطواف الذي كان يتم في مكة ، أي الطواف حول الكعبة التي كان في داخلها الحجر الأسود .
أن " ذو الخلصة " ظل قائماً ومقدساً لدى بعض القبائل العربية حتى ظهور الإسلام وبعد قيام الرسول بفتح مكة وتحطيم أصنامها ، فقد ذكرت الروايات التاريخية بأن الرسول عندما سمع ببقاء " ذو الخلصة " قام في عام (632 ميلادية) بتجهيز حملة عسكرية بقيادة جرير بن عبد الله البجلي لتحطيمه . وقد خاض البجلي وجماعته قتال شديد ضد قبائل خثعم وباهلة التي كانت تدافع عن " ذو الخلصة " وبعد الانتصار قام البجلي وجماعته بهدم " ذو الخلصة " وتم إحراق معبده بالنار وقتل من فيه من حراس وسدنته (208) .
ويرى بعض المؤرخين والباحثين العرب بأن جرير بن عبد الله البجلي لم يتمكن من هدم بنيان " ذو الخلصة " كله لضخامته وأنه أكتفي بهدم قسم من ذلك البناء وأنه هدم ودمر الأصنام التي كانت في داخل ذلك البناء أي في داخل معبد " ذو الخلصة " أما جدران هذا المعبد فقد ظلت قائمة حتى بداية القرن العشرين،
والدليل على ذلك هو أن الملك عبد العزيز آل سعود عندما أستولي على الحجاز أمر بتحطيم بقايا المعابد الوثنية وإخضاع القبائل العربية القاطنة في سراة الحجاز ، بحجة أن هذه القبائل كانت تحاول العودة إلى البدع والخرافات والتقاليد الدينية التي كانت سائدة قبل الإسلام ، وكانت بقايا معبد " ذو الخلصة " من تلك الابنية التي شملها هذا التدمير والتحطيم في هذه الفترة (209) .
وبهذا انتهت آثار معبد" ذو الخلصة " والتي ظلت قائمة منذ القرن السابع الميلادي .
=====
=====